تنمو المجتمعات وتتطور بروافد عدة من أهمها القطاع الخيري والعمل التطوعي إذ يساهم بشكل واضح في تكميل ودعم القطاع الحكومي في القيام بمسؤولياته وذلك واضح تمامًا في المجتمعات المتحضرة سواءً التي مرت في تاريخنا الحضاري العتيق أو في العصر الحاضر المتمدن .

وهذا القطاع كغيره من القطاعات لا يمكن ان يؤدي دوره في البناء والتنمية ما لم يعتمد على التخطيط السليم المنطلق من وعي وإدراك بأهميته وحجمه ودوره المطلوب وأثره البالغ في التأثير لينتج عن ذلك عمل مؤسسي وبناء كيانات خيرية مبنية على أعلى وأحدث النظريات المؤسسية ومدعومة بكل وسائل التنفيذ التقنية والإدارية الحديثة .

وإن ما نراه الآن في الساحة السعودية بالذات من اتجاه القطاع الخيري إلى هذا المفهوم من نقل مؤسساته من العمل البدائي العشوائي إلى العمل المقنن المؤسساتي جعل له بالغ التأثير في المجتمع وساعده على تحمل مسؤولياته بكل جدارة واقتدار وهنا نماذج مشرقة كثيرة تسر الخاطر وتثلج الصدر ، ومن أمثلة المستودع الخيري بجدة (جمعية نماء الخيرية ) .

والنظريات الحديثة في بناء العمل المؤسساتي تعنى كثيرُا بعامل مؤثر في النجاح وهو العامل البشري ومدى قناعته بالدور الذي يقوم به ومهارته في تنفيذ مهامه .

وإني هنا أؤكد أن صدق تبني افراد العمل لعملهم وقناعتهم بأهمية دورهم وأثره العائد على المجتمع وعلى ذواتهم لهو من أقوى العوامل في نجاحهم في أداء مهامهم ، ولا شك أن الفرد العامل في القطاع الخيري إذا كانت منطلقاته في عمله منبعثة من المعاني الروحية والإيمانية فان ذلك ضمان لثبات التبني وصدق الاخلاص واتقان التنفيذ محققا أعلى مواصفات التميز في الكادر البشري في العمل المؤسسي.

ومن هنا جاء الاسلام ليغرس هذا المفهوم في نفوس العاملين من خلال النصوص الموضحة للأجور المترتبة على خدمة المجتمع ومن خلال الممارسات العملية التي كان يقوم بها الرسول صلى الله عليه وسلم ليقتدي به أصحابه .

فمن النصوص: قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ..  ، ومن الأحاديث ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن اعتكف في المسجد شهراّ....)) الحديث، وجاء في آخره : " ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام "، وقوله : " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار "، وقوله : "... والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه".

وهذه الآيات والأحاديث يدرجها العلماء تحت مسألة النفع المتعدي الذي يشمل الغير، وهو أفضل من النفع الخاص الذي يكون أثره مقصوراً على الشخص نفسه، ويكفي في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم شبّه المجتمع المسلم بأنه كالجسد الواحد إذا اشتكى من عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.

كل هذا التأكيد على غرس مفهوم احتساب الأجر من الله ونية نفع الناس لحماية أفراد القطاع الخيري من الآفات التي قد تصيبهم خلال العمل من تحولهم من اعضاء كادحين يعملون بكل كفاءة لتحقيق أهداف مؤسستهم - ولو تقاضوا على ذلك كسبًا- إلى ان يصبحوا عبئًا على هذه المؤسسة فيتحول عمل المؤسسة إلى تأمين مصدر دخل لهم أو تحسين مستوى معيشة لبعضهم بدلًا من الجهة المستفيدة التي لم يعملوا على خدمتها بسبب فقدان النية الصالحة .

 إن التفات المنهج الاسلامي إلى هذه المعاني الرائعة ومراعاتها في بناء وتكوين الأفراد العاملين في مؤسسات المجتمع الخيرية ليؤكد لنا عظمة هذا المنهج الذي لو أخذه المسلمون بحقه لنافسوا المجتمعات المدنية الحديثة في بناء الحضارة الدائمة .

ومن هنا فقد سبق المنهج الاسلامي كل النظريات الحديثة في الموارد البشرية في فهم احتياجات الأفراد وخاصة في القطاع الخيري .


د. مسعود بن محمد القحطاني

وكيل عمادة شؤون الطلاب للأنشطة الثقافية والاجتماعية

خانة التعليقات

أحدث أقدم